واقع حرية الإعلام والحصول على المعلومة في تونس: ماذا تبقى للصحافة من دور في تونس؟

أحيانا قد يكون نقل شهادات زميلات وزملاء يمتهنون الصحافة والإعلام

كفيلا بشرح واقع حرية الصحافة والتعبير في تونس التي تعيش على وقع تناقض صارخ بين خطاب سياسي رسمي يؤكد على احترام هذه الحرية والعمل الصحفي وسلوك متبع من قبل مؤسسات الدولة على العكس تماما.

يوم الاثنين الفارط، عاش الصحفيون والصحفيات في تونس على وقع حدثين يعبران عما بلغه الوضع من «سريالية» إذ بحثوا في وسائل إعلام أجنبية عن معلومات تتعلق بحدث سياسي ضخم انتظم في تونس وهو القمة الثلاثية بين قادة تونس والجزائر وليبيا، فقد أقصت رئاسة الجمهورية كل وسائل الإعلام ، الخاصة والعمومية، الوطنية والاجنبية ولم تسمح لها لا بمواكبة القمة او الحصول على معلومات رسمية تتعلق بسيرها ومخرجاتها خارج بلاغ الرئاسة ليوم السبت الفارط او البيان الختامي الصادر يوم الاثنين.

قد تكون شهادتان نشرهما زميل وزميلة يعملان في وسائل اعلام مختلفة، وائل الونيفي وجيهان السليني، كفيلتان بنقل الصورة بدقة، حينما اعتذر الزميلان الصحفيان لدول عربية عن عدم توفر أية معطيات لديهما بشأن القمة تمكنها من تقديم اية معطيات قد تساعد المتلقي على فهم الحدث وأبعاده، وذلك لعدم توفر أي معطى لديهما وحالة الغموض التي اكتنفت الحدث. في المقابل استنجدت وسائل إعلام تونسية واجنبية بصحفيين ليبيين وجزائريين توفرت لديهم معطيات عن اللقاء حتى وإن لم يكونوا من ضمن الوفود التي رافقت قادة الدولتين، وهذا كاف لتوضيح سريالية المشهد الذي عشنا على وقعه.

وضع يفرض علينا اليوم طرح سؤال بسيط ومغلق وهو «اي دور اليوم للصحافة والاعلام في تونس؟» اذا كان الواقع الموضوعي يتسم بالتالي: مؤسسات دولة أقصت في أكثر من مناسبة الاعلام وتحكمت في المعلومات التي يقع تزويد الرأي العام بها، سلطة هاجمت بخطاب حاد الإعلام واتهمته بالعمالة والتضليل، نصوص قانونية ابرزها المرسوم 54 الذي يضيق من هوامش حرية التعبير والصحافة وقع الاستناد اليه لإصدار أحكام سجنية ضد صحفيين على خلفية قيامهم بعملهم، هنا تتعدد الامثلة.

فما هو الجلي اليوم اننا إزاء ممارسات تفضي الى التضييق على العمل الصحفي، اما بواسطة النص القانوني أو بالملاحقات القضائية او بالإقصاء الممنهج ورفض تقديم المعلومات والاقتصار على نشر ما تريده السلطة او المؤسسات وذلك عبر منصات التواصل الاجتماعي دون إخضاع ما ينشر الى أسس العمل الصحفي من تدقيق وتمحيص أو تنسيب وتناول للمعطيات كمادة خام تقع معالجتها بهدف ضمان اكبر قدر من الموثوقية وتحقيق الفائدة للمتلقين والجهمور.

هنا يسعى العمل الصحفي الى ابراز كل السرديات ووجهات النظر وذلك وفق شروط مهنية موضوعية وسعي الى ضمان اثراء النقاش العام وعقلنته. ويبدو ان كل هذا في طوره للاختفاء والالغاء عبر سلوك المؤسسات التي بوعي منها وادارك او بدونه تحجب المعلومة وتتكتم عنها او ترفض الخضوع الى المساءلة المجتمعية وهي بذلك تعمل على فرض سردية واحدة تهيمن بها في الفضاء العام عبر روايتها للاحداث او «المعنى» الذي تضفيه عليها دون السماح لغيرها من السرديات بالظهور، واذا قامت بذلك تلاحقها بنصوص قانونية وتشكك في سرديتها.

اذا وقع النظر الى ذلك من منطق الاسس التي يبنى عليها مفهوم الفضاء العام سنجد ان الخطاب السياسي الذي يحيل الى فكرة سيادة الشعب يتناقض كليا مع الواقع ومبادئ سيادة الشعب، فالشعب بأداة التعريف يعبر عن نفسه في شكل راي عام متنوع متغير بتغير القضايا التي تطرح والنقاش الذي يفرض في الساحة التي تتفاعل مع المتغيرات بردود فعل او أفعال وتتخذ اشكال عدة منها التعبير.

تعبير يفترض أن الدولة الحديثة التي تقوم على مبدأ سيادة الشعب تحميه وتتيح له الفضاءات العمومية وتوفر الشروط الموضوعية للأفراد للتداول في الشأن العام والنقاش، ومنها توفير المعلومات وحرية الاعلام بما يزود الفضاء العام بعناصر تؤثث النقاش وتسمح بعقلنة و إدماج الأفراد، واذا انتفت هذه الشروط الموضوعية سيؤثر ذلك تباعا على تجسيد السيادة الشعبية/ الارادة الشعبية.

كيف تتشكل هذه السيادة او الارادة وتعبر عن نفسها في الفضاء العمومي اذا كان هذا الاخير خاضعا للهيمنة والتوجيه، وكيف تتجسد هذه الارادة والسيادة اذا حرم المواطن/ الناخب من حقه في الحصول على كل ما يحتاجه من معلومات تساعده على بناء وجهة نظره وتحديد موقف يؤطر اختياراته كناخب أمام صندوق الاقتراع. في غياب هذا نكون امام وضع حرج يغيب فيه النقاش العام بل تمّحى فيه الفضاءات العامة التي بدونها لا يمكن ان تتشكل السيادة الشعبية كذلك الارادة

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115