ضد اللّعب...Anti-jeu

ضدّ اللعب هي عبارة تطلق على مقابلات كرة القدم حين تخرج عن قواعد المنافسة الرياضية واللعب الجميل

وتطغى فيها الخشونة وإضاعة الوقت والشجار بين الاعبين وعقلية الكسب بكلّ الوسائل، وما يحصل في بعض المواجهات السياسية لا يختلف كثيرا عن هذه النوعية من المقابلات تشبه والدليل على ذلك المنحى الذي اتخذته اللعبة السياسية ببلادنا، فلقد بينت الضجة التي قامت مؤخرا حول اختفاء رئيس الدولة لمدّة معينة في الآونة الأخيرة، خروج هذه اللعبة عن قواعدها القانونية والأخلاقية وسيطرت عليها عقلية تحقيق الغاية، فلقد عمدت بعض الأطراف خلال غياب الرئيس إلى الإيحاء بوجود حالة شغور على رأس الدولة وذهبت إلى حد وضع استنتاجات وسناريوهات خطيرة بناء على أخبار غير دقيقة كما تضح في ما بعد، في المقابل استغل الرئيس تهوّر البعض في التعاطي مع الحدث لتجديد اتهامه لجهات غير محددة بالخيانة والتآمر والتأكيد على عزمه مواصلة "حربه" عليها دون هوادة،

فالخطاب والأساليب المعتمدة في مثل هذه المواجهات يعكس انحراف الصراع السياسي عن جوهر المشاكل التي تعاني منها البلاد ، فسلوك بعض من المعارضين للرئيس ووقوعهم في فخ التهور والإرتجال هو ما يعطي ال"مشروعية" على المصادرة التي قام بها هذا الأخير للحياة السياسية بحجة التخلّص من مخلّفات " العشرية السوداء"، والغريب أنّ جزء من المعارضة لم يتفطن بعد إلى حجم الضرر الذي لحق بمصداقيته بسبب ما ينسب إليه من أخطاء وتجاوزات في الحقبة المنصرمة، ولم يفهم أنّ لا يمكنه قلب موازين القوى لصالحه ب تحيّن بعض العوارض أو باستغلال مواطن الضعف والخلل في المنظومة الحالية في ظلّ القناعة الحاصلة لدى شق واسع من الرأي العام بأنّ المصاعب التي يحياها اليوم متأتّية من السياسات السابقة

وإن كانت المعارضة بكلّ أطيافها هي لها مسؤولية كبرى عن حالة الضعف والوهن التي هي عليه وعن تهميشها في الساحة بسبب تأخّرها في القيام بالمراجعات والنقد الذاتي وإعادة التشكّل على قاعدة القبول بالمحاسبة وتنظيف صفوفها، فإنّ للسلطة مسؤولية أكبر عن حالة التخبط التي تعيشها الدولة في مواجهة أخطر أزمة مالية واقتصادية تشهدها منذ الاستقلال وإصرارها على إنكار الأزمة بالحجم الذي يُجمع عليها الخبراء المختصون وتفسيرها بالمؤامرة مفتعلة من الداخل ومن الخارج بهدف زعزعة "المنظومة الجديدة" وضرب سيادة الوطنية ...هذا الموقف قد يعطي شحنة من الحماس للأنصار وجزء من المواطنين بما يستمح باستمرار المغامرة، لكن إلى متى وإلى أين ؟...هنالك بعض الإجابات من بعض الأنصار والمناصرين وتتمثل في المراهنة على بعض المتغيرات الدولية في ودعوة الدولة للانخراط فيها للتخلص من ضغوطات وشروط الأقطاب التقليدية التي تتعامل معها... لكن الواضح أنّ الغاية من هذه الدعوات أكثر منها لتوجيه الرأي العام نحو فهم معين للأزمة من إيجاد حلول واقعية لها، وذلك لأنّ الحكومة نفسها تقرّ أنّها لا تمتلك بديلا لتعبئة موارد الميزانية غير الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ولا توجد لحدّ الآن مؤشرات تدل على إمكانية إيجاد البديل لدى الدول الصديقة الشقيقة، وحتى تصريحات بعض القادة وتحركات بعض الحكومات في جانب منه يكتسى طابع المزايدة والابتزاز لا أكثر، وفي كلّ الحالات فإنّه لا يمكن الاستفادة من أي جهة من الخارج إلا ما يكون هنالك حد أدنى من مناعة وتماسك في الداخل, لذا معالجة الوضع بالبلاد عبر التصعيد أكثر فأكثر بوضع شخصيات سياسية وقيادات حزبية رهن الإيقاف في السجون، وملاحقة مدونين وصحفيين ممن يغرّد خارج السرب قضائيا لن يفتح منفذا في الانسداد الذي يطبق على البلاد ،.... ومن الوهم الإعتقاد أنّ تعزيز النهج الانفرادي في الحكم وإضعاف المؤسسات وإلغاء التعدد والمنافسة سيؤدي إلى انتقال البلاد من حالة إلى حالة وتجاوز مخلفات السياسات الفائتة، فالفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي المعتمدة لحد الآن بات بيّنا ولا يحتاج إلى تدقيق لإدراكه. ويحتاج إلى علاج عاجل، والشيء الإيجابي الذي يكاد يكون الوحيد في هذا الوضع القاتم والذي يمكن البناء عليه هو نزوع المجتمع أكثر نحو السلمية والبحث عن الاستقرار رغم حدة التجاذبات والقصف الدعائي والعدائي الذي يدور حوله ولذا فإمكانية الحوار مازالت ممكنة وربما هي السبيل الوحيد والأخير لاجتناب "الأمرّ" ، المطلوب فقط هو اقتناع الجميع بالعودة إلى جوهر اللعبة السياسية والاحتكام إلى قواعدها

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115