في اليوم العالمي لحرية الصحافة والاعلام : تفاقم المخاطر حول المهنة و أهلها

تكابد الصحافة التونسية اليوم لفهم التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية

الحافة بالمهنة في ظل وضع مركب غير معهود منذ صدور اول صحيفة تونسية قبل اكثر من قرن، مما يفرض على الصحفيين اليوم البحث عن تحديد الادوار التي بقيت لهم في ظل سعي السلطة ومؤسساتها الى الهيمنة على الفضاء العام وعلى مجريات النقاش فيه.

تؤكد التقارير الصادرة اليوم عن المنظمات والهيئات المهنية التونسية والدولية الناشطة في القطاع على حجم الازمة التي تعيشها الصحافة في تونس، لا بسبب حجم التجاوزات التي ارتكبتها السلطة او الاعتداءات على الصحفيين فقط بل كذلك بعدد الصحفيين المودعين في السجن اليوم على خلفية عملهم وانتاجهم الاعلامي بما يعكس انسدادا مخيفا تواجهه الصحافة في البلاد اذ ان المؤشرات الكمية لعدد الاعتدادات ضد الصحفيين تؤكد انها تجاوزت المائة خلال الفترة الممتدة بين 3 ماي 2023 و 3 ماي 2024، او عدد الصحفيين المسجونين وهم 5 او عدد الملاحقين بقضايا تتعلق بمهنتهم كذلك تراجع ترتيب تونس في مؤشرات الحرية الصحافة أوغيرها من التفاصيل التي تعكس بشكل جلي حجم الخطر الذي يواجهه الصحفيون والصحافة في تونس واهميته ودلالته.

هذا الخطر يتجاوز الصحفيين ويمتد ليشمل كل فاعل سياسي ومجتمعي وكل مواطن تونسي، لا يتعلق بحجم التجاوز والانتهاك مع سعى محموم من السلطة ومؤسساتها الى انهاء وجود الصحافة الحرة ودورها، وذلك بممارسة تضيقات يبدو انها ممنهجة لا تقتصر على التشريعات المضيقة على حرية العمل والمنتهكة للحق الدستوري والانساني، بممارسات وخيارات اتصالية تهدف بالتعريف الاكاديمي للمهنة الى الغاء دور الاعلام كقناة بث وجعل العلاقة بين السلطة والجمهور مباشرة عبر الاستعانة بمنصات التواصل الاجتماعي خاصة «الفايسبوك».

ما تسعى اليه السلطة بسياستها الاتصالية القائمة على تجاهل الاعلام التقليدي والتركيز على بث خطابها الاحادي عبر حساباتها ان يكون خطابها مباشرا مع الشعب دون وسطاء ودون قناة بث لتجنب اي تدخل صحفي في مضمون الرسالة بالتفكيك او بالتفسير او بالمساءلة والتدقيق فيها، فالسلطة تريد ان يكون خطابها «قداسيا» لا يخضع لاي مساءلة او نقد او مواجهة، وذلك دور الصحافة المهنية حينما تتعاطي مع خطاب السلطة كوجهة نظر تتطلب ان يكون لها رديف او التعامل معها كمعطيات اولية تتطلب التدقيق والتحري قبل ان تقدم كحقائق او معلومات موثوقة كذلك تفكك الخطاب وشرح مضمونه والهدف منه.

هذا ما ترفضه السلطة التي تسعى الى ان تهيمن على الفضاء العام بشتى الوسائل المتاحة لها بالادوات التشريعية او التنفيذية، بهدف غلق الفضاء العام امام اي خطاب مغاير يدحض سرديتها وحقائقها، وقد استخدم المرسوم عدد 54 بالاساس ضد الصحفيين والسياسين والنشطاء والمدونين اذا ما انتقدوا مسار 25 جويلية او السلطة ومؤسساتها، والامثلة على ذلك عديدة، اذ تجاوز عدد من تمت ملاحقتهم بفصول المرسوم 54 وفق ما تم رصده خلال السنة الاولى من نشره 50 مواطنا تونسيا وتونسية جمعت بينهم مواقفهم المعارضة لللسلطة وسياساتها العمومية.

مرسوم لم يكن كافيا من وجهة نظر السلطة لبسط الهيمنة على الفضاء العام فعززته بمقاربة جديدة وهي حجب المعلومة واسقاط مبدإ دستوري وهو حق الولوج الى المعلومة باجراءات ادارية تبرر رفض تقديم اي معطيات او معلومات لا تريد الكشف عنها، بذلك تعكس نظرتها لوسائل الاعلام التي تعتبرها قنوات دعائية للسلطة لا وسائل اعلامية في خدمة الجمهور وهي بذلك تؤمن انها افضل ممثل للجمهور وهي لا تكتفي بالسعى فقط الى اخضاع الاعلام بل تحدد له سياساته التحريرية معتبرة انها هي الممثل للشعب والمفوض منه لادارة كل اوجه الحياة، وذلك خيار كشفت عنه مئات التفاصيل والاحداث، كقرارات منع التداول او رفض تقديم حوارت صحفية كذلك عدم تنظيم ندوات قبل او بعد الاحداث الكبرى وغيرها من تفاصيل اقتدت بها بقية المؤسسات كالمجلس التشريعي او الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

سياسات يبين التاريخ انها فاشلة لها انعكاسات سلبية على الدولة ومؤسساتها كذلك الشعب الذي تسحب منه صفة المواطنة ويعامل كرعية يقتصر حقها على المأكل والمشرب والسكن والدواء، وهذا ما علمنا التاريخ بان نتائجه وخيمة ولعل الحدث الذي صدم به التونسيون خلال الساعات القليلة الفارط عقوبات الاتحاد الدولي لمكافحة المنشطات لتونس وذلك خير دليل على مساوئ هذا التمشي.

حجب المعلومة وتضييق السبيل للولوج اليها ادى الى ان يجهل التونسيون برمتهم، افرادا ومؤسسات، ما يحدث في هذا الملف وبالتالي عدم قدرتهم على ادارة نقاش عام من شانه ان ينبه السلطة المشرفة على الشان الرياضي الى خطر التباطئ في معالجة الملف المتمثل اساسا في طلب الهيئة الدولية لمراقبة المنشطات من تونس ان تعدل قوانينها لجعلها تتلاءم مع التشريعات الدولية الجديدة، وتاخر الدولة التونسية في القيام بذلك.

لو مكن الصحفيون من حقهم في الولوج الى المعلومة بصفتهم الطرف الناقل لها للجمهور، لكان الملف محور نقاش عام منذ اسابيع واشهر ولتم الانتباه الى اقتراب نهاية الاجال او الى اية أخطاء اخرى، لكن وفي ظل التكتم والحجب ومحاولة فرض الرقابة القبلية على وسائل الاعلام، لم يحصل ذلك فانتهى الامر الى ارتكاب المؤسسات التونسية لاخطاء لا يرتكبها الا الهواة.

هذا الحدث يكفي لوحده لبيان اهمية الصحافة حتى وان كانت على غير هوى السلطة والكفيل بالتحذير من ان السياسية الاتصالية الراهنة ستقود الى ارتكاب اخطاء تسيئ الىالبلاد والعباد وتضر بمصالح السلطة نفسها

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115